النفاق الاجتماعي و المجاملة
الدكتور عادل عامر
النفاق: كلمة قبيحة بلا شك، ولِقُبحها هرب الناس منها كلفظٍ، واستبدلوها بكلمات جذابة؛ مثل: المجاملة، والتعامل الدبلوماسي، والمرونة، وغير ذلك من الكلمات التي نسمعها كل يوم، وهي في الحقيقة ليست سوى أغلفة برَّاقة للنفاق تستر عورته، وتُبرِّر للناس التعامل به، لكنها في الوقت ذاته تحمل دلالات عدة عن مدى استشراء النفاق في تعامُلاتنا، وتَغلغُله في مجتمعاتنا.
النفاق هو أحد الصفات التي تكون موجودة في فئة كبيرة من الناس، والذين يكونوا منافقين أخلاقيًا أو اجتماعيًا، ويقوم هؤلاء الناس بالحكم على الأشخاص الآخرين بشكل قاسي وبالمقابل لا يحكمون على أنفسهم بنفس الطريقة أو نفس القسوة، وهناك العديد من الدلائل التي تشير إلى أن معظم أسباب النفاق تنبع من أن الناس بشكل عام يقومون بالحكم على الأشخاص بشكل سريع،
فلذلك تم القيام بدراسة حيث اخُتبر عدد من الناس عن طريق وضعهم أمام مهمتين واحدة صعبة جدًا والثانية سهلة وطُلب منهم اختيار مهمة للقيام بها والمهمة الأخرى تركها لشخص آخر، وكشفت الدراسة أن 85% من الناس اختاروا المهمة السهلة وتركوا المهمة الصعبة للشخص الآخر، وسيتم الحديث في هذا المقال عن النفاق الاجتماعي
لقد طغى على حياتنا المعاصرة النفاق والمجاملات التي تتجاوز الحد المعقول ليس فقط في الحياة الواقعية بل في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، فبات بعض الناس يلبسون الأقنعة المزيفة لإخفاء حقيقتهم غير المقبولة ونفوسهم المشوهة بمختلف النوايا والسلوك الاجتماعي السلبي.
يقول أحد المتقاعدين من المناصب المرموقة إنه عندما تقاعد من منصبه لم يتردد على ديوانه إلا قلة من أفراد عائلته وأصدقائه لأن مصلحة المنافقين انتهت بتقاعده من منصبه.
هناك الكثير ممن يعتمدون بشكل أساسي على أسلوب النفاق الاجتماعي ليكون جسر عبور إلى احتياجاتهم بطريقة غير مباشرة، ويتفاقم استخدام هذا الأسلوب في البيئة التي يكثر فيها التنافس بين الموظفين الذين يسعون وراء المناصب والألقاب حتى ولو كان بالتسلق على أكتاف الآخرين.
بعض الأسباب التي تدفع الناس لاستخدام النفاق كأسلوب حياة قد تكون بسبب طريقة التربية والبيئة التي كانت تشجعهم دائماً على الظهور بمظهر مثالي، كما أنه لم يتم غرس القيم الأخلاقية بقدر كافٍ في مراحل الطفولة المبكرة.
علاج النفاق يبدأ أولاً من الأسرة، فالوالدان يجب أن يكونا القدوة أمام الأبناء بالتحدث أمامهم بكل صدق ومنحهم حرية التعبير عن آرائهم، أما المدرسة فدورها تعليم الطلاب البعد عن الكذب والنفاق في المجتمع. ومن المهم أن يتم تدريسهم مادة التربية الأخلاقية بشكل عملي لتكريسها في عقولهم حتى تصبح منهجاً وسلوكاً اعتيادياً بالنسبة لهم فيساهم في تنشئتهم تنشئة سوية.
يحتاج الأفراد إلى المصداقية في التعامل بمحاربة كل أشكال النفاق الاجتماعي في جميع الوسائل المتاحة بالأخلاق التي لها دور في تحصين الأجيال من الانزلاق في مستنقع النفاق. والعمل على بناء حياة عصرية قائمة على الصدق والقيم الأخلاقية والدينية، وبالتالي تضمن الدول الرقي الحضاري في المجتمع مهما شهدت من تطورات.
النفاق مرض خطير وشر مستطير، وكل مرض له أسباب تؤدي إليه، قد يكون لبعض المنافقين جاه ورياسة يخاف إن أظهَر كفره أن يتفرق عنه أتباعه وأعوانه، فيُخفيه ويُظهر الإسلام؛ كما فعل عبدالله بن أُبَي ابن سلول، فإنه كان قاب قوسين أو أدنى من الرياسة في قومه، ثم تفاجَأ بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سيدًا فيها وحاكمًا لها، فكان هذا ما حمله على النفاق في مبدأ الأمر.
في معظم الأحيان يفشل الأشخاص اللذين يكونون في موقع قوة أو سُلطة باتباع القواعد أو الأساسيات الأخلاقية التي يتحدثون عنها ويُروجون لها، ولذلك أشارت الكثير من الأبحاث الحديثة أن الناس بشكل عام عندما يكونون في موقع قوة أو سلطة يجعلهم ذلك أكثر تشددًا فيما يتعلق بتصرفات الآخرين ومواقفهم وأقل تشددًا فيما يتعلق بتصرفاتهم،
ووفقًا لبعض الدراسات فإن القوة أو السلطة يمكن أن تسبب انفصال بين الحكم العام على الأشخاص والتصرفات والحكم الخاص، أي الحكم على نفس الشخص، فيكون الأشخاص الأقوياء أكثر قساوة في الحكم على غيرهم، وأقل قساوة في الحكم على أنفسهم،
وأشارت بعض الدراسات التي أُجريت أن الأشخاص اللذين كانوا في موقع قوة كانوا أكثر نفاقًا في سلوكهم، وأكثر صرامة في الحكم على أناس غيرهم، وبالمقابل أولئك اللذين أحسوا أنهم لا يستحقون القوة أو السلطة التي كانت بيدهم كانوا أكثر قسوة وأقل نفاقًا في الحكم على أنفسهم، وأشكال النفاق هذه تؤثر بشكل سلبي على المجتمع وتعزز من وجود الطبقية فيه أنّ النفاق الاجتماعي يُعد من المهددات المجتمعية لما ينتج عنه من انتشارٍ للكراهية، وغِياب الثقة، وانتشار الخديعة والمكر، وغياب كل معاني الرجولة والوفاء، وغياب نصرة الضعيف وإغاثة الملهوف، وكل تلك المعاني الجميلة التي تغيب في ظل هيمنة المصلحة وسلبية العلاقات.
أن “أهل النفاق الاجتماعي لا يعيرون اهتمامًا لأصحاب الكفاءات، وإنما يعتمدون على من يُطيع نفاقهم، مما يؤدي إلى هجرة الكفاءات وهم محملون بالحقد على مجتمعهم الذي تربوا فيه، فتفقد الأجيال ولاءها وانتماءها للأوطان، ويرتمون في أحضان الأوطان التي هاجروا إليها، مما يتسبب في إحداث ازدواجية في الناشئة التي ستخرج من هذه الأجيال المهاجرة، بسبب أن المناصب القيادية في المؤسسات والهيئات لأهل التملق والنفاق، وهذا يؤدي إلى تفاقم الأزمات وظهور الفشل”.
التعامل مع الآثار التي يتركها النفاق في النفسية يشعر معظمنا بالحرج عندما يقع في حالة عدم اتساق بينه وبين نفسه بسبب النفاق الاجتماعي، الذي نشرح من خلاله أنفسنا لإنقاذ القناع الذي رسمناه أمام المجتمع.. كقوة دفاعية تساعدنا على الشعور بالتحسن! وفقط لأن معظم الناس يتصرفون بطريقة ما، لا يعني أنه يجب علينا ذلك… في نفس الوقت لا يعني أنك لا يجب أن تنافق، فالحياة صعبة وتفعل الكثير من الأمور لعيش يومياتك، إذا انتقدت الآخرين لشيء تُدان به، فقد تدعي أن وضعك مختلف.. حتى وإن كان هو نفسه في الغالب، لكن يمكنك التعامل مع الآثار النفسية التي يتركها النفاق عليك من خلال الطرق التالية:
تراجع عن سلوكك أو كلماتك المنافقة إذا كنت تستطيع ذلك: إذا قمت بإلقاء القمامة في الشارع وأنت عادة تنتقد هذا السلوك عند الآخرين، فارجع وخذها إلى صندوق القمامة، إذا انتقدت شخصاً لسلوك تفعله أو بسبب شيء لم يكن مذنباً به فعلياً، يمكنك التراجع عن النقد.
الاعتراف بما فعلته والتعهد أن تفعل ما هو أفضل (بل والقيام بعمل أفضل): إذا أخفقت في اتباع قراراتك للسنة الجديدة في غضون أيام من بداية السنة؛ فذكّر نفسك أنه لا يزال هناك المزيد من الأشهر.
اعترف بأنه خطأ أو اعتذر: قد يكون الأصعب، لكن هناك ما قد يساعدك، مثل أن تكون “شخصاً صادقاً” للاعتراف عندما تكون مخطئاً.
العثور على وسيلة للمضي قدماً: سواء كنت تعترف علنا بأي شيء أو تتراجع عن نفاقك، فإن مشاعرك السلبية يمكن أن تستمر، لكن في هذه الأثناء يمكنك محاولة تشتيت انتباهك أو البحث عن طرق لتأكيد الذات، “فكر في نقاط قوتك أو تحدث مع أشخاص مثلك“.
الجميع يخطئ: هذا صحيح حتى إذا كان من غير المحتمل أن يكون الجميع قد فعلوا الشيء الذي تحاول فعله الآن! ولا يوجد أحد لا يتغير لكن قد يكون الكثير من الناس أقل قدرة على التغير للأفضل مثلك، فلا يجب أن يخجل المرء من أن يكون مخطئاً، وبكلمات أخرى أنك أكثر حكمة اليوم مما كنت عليه بالأمس.
في النهاية.. من الطبيعي أن تكون غير متوازن في الحياة المعقدة التي يعيشها معظمنا، فعلى الرغم من أن الاستجابات المتحيزة والنفاق أمر طبيعي، إلا أنه يمكننا محاولة الإقرار بالمسئولية عن أفعالنا وأقوالنا عندما نخطئ.