الاستثمار نيوز- هدى منصور
بملابس الحرب والحداد استقبلتنا الطالبة الفلسطينية(آية العروقي) في بيت الطالبات بمحافظة المنوفية وسط قريناتها الدارسات في جامعة المنوفية، ملامح (آية) كانت تحمل قصة قاسية عمرها أيام على الفراق، هنا قد يتوقع البعض الفراق المقصود به شخص إلا أنه فراق جماعي لجميع أبناء أسرتها الـ26 من أسرة الأب والأم، فقد استشهد الجميع ولم يتبقى أحد سواها هي وشقيقتها، هذا كان حال عائلات غزة بعد حربها الأخيرة ضد الاحتلال الغاشم الذي أباد الأخضر واليابس والبشر دون رحمة.
(آية) تحدثت دون فاصل فهي تروي فجيعتها المطعمة بمرارة الفراق القاسي، فقالت، يوم 17 أكتوبر الماضي كان موعد حضور أهلي إلى القاهرة من أجل عقد قراني وزواجي على شاب مصري من إحدى محافظات مصر، فأنا متواجدة هنا في مصر منذ عام شهر ديسمبر 2017 للإلتحاق بالجامعة وتحقيق حلمي بدراسة الهندسة في مدينة منوف.
أنا من أبناء غزة، مسقط رأسي مخيم اللاجئين في غزة، فقد ولدة في ملجئ فلسطيني على أرض فلسطينية داخل الوطن وعشت حياتي بين المخيمات، درست الثانوية التوجيهية في مدرسة شهداء المجازر الثانوية بنات، ووالدي ووالدتي كانوا يعيشوا في مصر قبل السلطة الوطنية الفلسطينة ما تعلن ضمها قطاع غزة تحت رايتها.
والدي(حماد العروقي) كان ملتحق بالجيش الفلسطيني الموجود في ليبيا والسودان في فترة التسعينات، وكذلك جدي من ناحية الأب، وجدي من ناحية الأم استشهد في حرب لبنان، وبعد إعلان السلطة الفلسطينية ضمها لقطاع غزة في التسعينات ومناداة أبناء الشعب الفلسطيني بالعودة عاد والدي إلى غزة لأنه من أفراد الجيش الملحق بالسلطة الوطنية. إلتحقوا بغزة وتم إلغاءالإقامات لهم من جميع الدول وهذا كان حال مئات الفلسطنيين لتشجيعهم للعودة إلى الوطن، ويرفضوا التهجير.
أسرتي عبارة عن 3 بنات وأنا الأبنة الكبرى بين أشقائي، وشقيقتي الصغرى تدرس معي في القاهرة بكلية الطب البشري، وأخي الصغير عبدالهادي كان عمره 17 عام، كنا نعيش في مدينة الزهراء من أجمل مدن قطاع غزة التي تطل على البحر المتوسط، انتقلنا للإنضمام للأسرة منذ سنوات فهي تقع في شمال غزة وهي من المدن التي طلب الاحتلال من سكانها سرعة إخلائها، في البداية الأهل رفضوا الخروج ولما اشتد الأمر والدي قرر أن يخرج من المنزل بالفعل إلى منزل عمي في منطقة بعيدة، وهذه الأحداث كانت في منتصف شهر أكتوبر، وهنا قرر والدي أنه بمجرد فتح رفح من الجانب الفلسطيني سوف يحضر ومعه جميع أبناء أسرتي أجل إتمام زفافي من شاب مصري بمحافظة المنوفية.
مثلي مثل أي فتاة فلسطينية كنت مشغولة بتجهيز نفسي للزواج بمجرد قدوم أسرتي، ومن عادات الزواج للفتاة الفلسطينية أنها تذهب بيت زوجها بالملابس فقط، وهذا ما قام به خطيبي على الفور فقد جهز منزله من متطلبات الحياة لنبدأ حياة جديدة.
لم أحضر فستان الزفاف فكانت والدتي تحلم بأن تحضره معي، وجهزت معها شنطة خاصة بملابسي على التراث الفلسطيني، وإسدالات صلاة خاصة بفلسطين، وطلبت منها توابل بلدي المفضلة مثل الزعتر المرمرية وزيت الزيتون.
إلا أن فاجعة القدر بأن إسرائيل أعلنت ضرورة الإخلاء وبالفعل المواطنين أخلوا عدد من الأبراج وكان عددها 28 برج في مدينة الزهراء، هما حالياً تراب كامل، عند الإنذار الأول خرجت أسرتي وعندما علمت الأسر أنه إنذار كاذب وأكدت السلطة الوطنية على عودة الجميع إلى منازلهم عادة أسرتي، إلا أنهم كانوا في انتظار فتح المعبر للذهاب إلى مصر.
وكان أهلى من طرف والدي في المنظقة الوسطى وهي قريبة من المعبر وعمي لدية سيارة يستطيع مساعدتهم في العبور الأمن إلى المعبرجنوب وادي غزة، وبالفعل ذهب أبي وأسرتي المكونة من 4 أشخاص إلى منزل عمي وحضرت جدتي وخالي أيضاً وأطفالهم.
وفي 19 أكتوبر أعلن الاحتلال هدم جميع الأبراج، وضرب منزل عمي بكل أسرتي ست وعشرون فرد استشهدوا جميعاً فيما بينهم طفلة عمرها ست شهور، فالمنزل كان به 4 عائلات.
ليس هناك سبب لضرب منزل عمي المكون من 3 طوابق سوى أنه كان به ألواح طاقة شمسية وبئر مياه، فكانت اللوحات الشمسية تساعد على شحن الهواتف لأن الكهرباء كانت تحرق الهواتف في غزة وهذا أسلوب أستخدمته سلطات الإحتلال من أجل قطع الحياة كاملتاً من أجل إجبار المواطنين الفلسطنيين على الرحيل، وحتى 20 أكتوبر كانت الأمور جيدة، والإتصالات كانت ضعيفة للغاية
لا أعلم سبب يدعي قتل أسرتي فالدي كان رجل كفيف وعمي أيضاً صحياً ضعيف، علمت خبر وفاة أسرتي من خالتي التي أكدت لي يوم 22 أن عمي راح وسألتني أين والدك قلت لها مع عمي هو وأسرتي فهي كانت لا تعلم المعلومة وصُدمت، وعلمنا بوفاة عمي من خلال شاشات التلفزيون عيسى العروقي إلا أن باقي الأسرة كنا نتوقع أنهم أحياء، جلست يومان أحاول التأكد من الخبر فكان لدينا أمل أن يكونوا أسفل الأنقاض على قيد الحياة، وأكدوا لي أن أختي واخي ووالدي استشهدوا بالفعل إلا أنه هناك أمل أن تكون أمي على قيد الحياة، إلا أنني لا أحلم بخروج أمي حية إذا علمت بوفاة أبنها وبنتها وزوجها وإبادة أسرتها كاملتاً سوف تتوجه على الفور إلى منطقة الضرب لتموت.
إسرائيل تستخدم نوعية صواريخ جديدة لا يهدم البيوت على الناس فقط ولا يهدم الأبراج من الأسفل كما هو معلوم، بل يهدم المنزل من أعلى إلى أسفل ويخرج الجثث من المباني، فزوجة عمي وجدوها على شجرة الزيتون وطفلتها على الشجرة المجاورة.
وكان رحمة اننا لم نرى الجثث فعلمنا أسمائهم فقط من خلال الأكفان، ودفنت والدتي منذ اليوم الأول هي وحماة عمي وأختي فلم يعرفوا ملامحهم من شدة القصف وقسوته فدفنوهم في قبر واحد.
ذهبت أحلامي وتلطخ فستان فرحي بالدماء في يد والدتي قبل أن تحضر، وحالياً إقامتي سوف تنتهي قريباً وتوقف حفل زفافي لأن لابد أن يحضر ولي أمري لإتمام زواجي موجب ورق رسمي من السفارة الفلسطنية، كل ما أمتلكه من ملامح أسرتي مجرد صور على هاتفي المحمول.